تعلّم كيف تتعلم

Learning-How-to-Learn-Logo-with-text

المصدر [catazinelive.net]

تعلّم كيف تتعلم” هي سلسلة محاضرات (كورس) مُقدّمة من جامعة كاليفورنيا على موقع كورسيرا – تقدمها دكتور باربارا أوكلى  Barbara Oakley  بالتعاون مع  دكتور ترينس سيناوسكي Terrence Sejnowski

نبذة عن Dr. Barbara Oakley :
– أستاذة الهندسة بجامعة أوكلاند
– وباحثة فى العلاقات المشتركة بين السلوك الاجتماعى وعلم دراسة الجهاز العصبى

نبذة عن Dr.Terrence Sejnowski :
– أستاذ العلوم الحيوية، وأستاذ ضيف بأقسام العلوم العصبية، علم النفس، العلوم الإدراكية، علوم الحاسب، والهندسة بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو، ومدير معهد الحوسبة العصبية Institute for Neural Computation بنفس الجامعة. للمزيد عنه بقلم م. محمد حجاج : هنا


تتناول السلسلة أفضل الطرق المُستخدمة في تعلّم المجالات المختلفة (الرياضيات – العلوم – الأدب …)، و أنماط التفكير المختلفة التي يستخدمها المخ أثناء حل مشكلة ما  وكيف يعالج المعلومات التي يستقبلها ويخزنها في الذاكرة وما هي أفضل الطرق التي توصل لها العلم (المٌستخدمة) للتفوق في أي مادة علمية (أي مجال)

هل حاولت حل مشكلة رياضية صعبة ولكن بالرغم من تركيزك الشديد لم تتمكن من الوصول للحل ؟ هل ترى أن قراءتك في غير مجالك تضييع لوقت ثمين مجالك أولى به؟ هل تعلم من أين يمكن أن تأتي الحلول الإبداعية للكثير من المشاكل التي تواجهك؟ هل تتحمس لمذاكرة موضوع ما و تفقد الحماس لمذاكرة آخر؟ هل تعانى من مشكلة التسويف ؟ هل تعانى من نسيان المعلومات بعد وقت قصير بالرغم من مراجعتها وحفظها مرارًا وتكرارًا ؟
هذه السلسلة تُجيبك عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير .. كما تساعدك في معرفة آلية عمل المخ في كل الحالات السابقة وكيف تستفيد من ذلك .

بنهاية هذه السلسة مُتوقع أن تكون على دراية بالآتي [بعض اﻷهداف] :
– الفرق بين الـ Diffuse Mode وFocused Mode وتستطيع تطبيق هذه المعرفة بشكل عملى [لحل المشكلات وفهم المواضيع المختلفة بسهولة].
– استخدام أحدث الطرق للتعلم بأقصى كفاءة.
– الفرق بين الذاكرة طويلة الأمد Long Term Memory  والذاكرة قصيرة الأمد Working Memory.
– ما هى الكتلة المترابطة من المعلومات Chunk وكيف تستخدمها لتحسين مهاراتك.
– استخدام طرق جديدة لتحسين ذاكرتك وسهولة استرجاع المعلومات.
– كيف تستعد للاختبارات جيدًا.
– كيف يُفيد النوم في تحسين ذاكرتك واستيعابك للمواضيع المختلفة.
– ما هي الصعوبات التي تواجهك أثناء القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت Multi-tasking.
– مميزات وعيوب العمل مع زملائك ومتى يجب عليك العمل مع آخرين أو العمل وحدك.


الجزء الأول:

أنماط التفكير

يوجد نمطين من أنماط التفكير و هما :
Focus Mode : حيث يبذل المخ جهده لحل مشكلة معينة بالتركيز فيها
Diffuse Mode :
حيث يقلب المخ المشكلة من جوانب متعددة و ينشىء روابط جديدة تساعد على حل المشكلة و الخروج بالمزيد من الأفكار.

Focus Mode
هو النمط الذي يكون عليه العقل البشري حينما يحاول استنفاد طاقته و التفكير في حل مشكلة أو فهم أمر ما. حينها يقوم العقل باستخدام ما تعلمه من قبل من مبادئ و مفاهيم لفهم المعضلة التي أمامه و إيجاد حل لها. في تلك الحالة يكون تركيز العقل منصبًا على استخدام ما تعلمه من قبل، فإن كان ما يحاول فهمه يحوي مبدأ جديد تماما عليه فقد لا يستطيع العقل إدراكه.

focus

Diffuse Mode
هو النمط الذي يكون عليه العقل البشري عندما لا يجبره الإنسان على استهلاك طاقته في التركيز في نقطة بعينها. حينها يقوم العقل بمحاولة فهم ما أُشكل عليه من قبل و النظر إلى أبعاد المشكلة من عدة زوايا بحيث يقترب من المفهوم العام لها و بذلك يقترب من تكوين مبادئ يبني عليها حل للمشكلة حينما تبدأ في حلها مرة أخرى في الـ Focus Mode.

للنجاح في إيجاد حلول لمشاكل متنوعة ينبغي للإنسان أن ينتقل ما بين النمطين. أن يركز جهده الذهني لحل تلك المشكلة مستخدمًا كل معرفته السابقة. ثم إذا فشل في حلها بعد فترة لا يستمر في التركيز بل يترك لعقله الراحلة ليعمل في الخلفية و يقلب المشكلة من عدة زوايا ليقترب من فهم مبادئها.

نمط الـ Diffuse Mode يدخل فيه العقل عندما يعطيه صاحبه الفرصة للراحة، عند الاستحمام مثلا، عند النوم، عند التريض، عند ممارسة أعمال عادية مثل الدردشة مع الأصدقاء و تقليب النظر إلى الطبيعة المحيطة … إلخ. كل هذا يساعد العقل على الدخول في الـ Diffuse Mode و بذلك يساعده على الإتيان بأفكار جديدة تساعدك على حل المشاكل التي استعصت عليك من قبل.

باختصار، أنت تشكل الروابط العصبية التي تستطيع استيعاب أفكار و مفاهيم جديدة في الـ Diffuse Mode و تستخدم تلك الأفكار و المفاهيم في حل المشاكل و المعضلات خلال الـ Focus Mode.

diffuse

حين تتململ من القيام بواجبك فإن أفضل شيء للتغلب على هذا الأمر هو إجبار نفسك على البدء بما تهرب منه و تقسيم العمل لفترات لإراحة ذهنك بما يساعدك على الإنجاز و التركيز

مشكلة التسويف
عندما تريد البدء بعمل ما أو مذاكرة موضوع غير محبب للنفس يتولد منطقة في المخ شعور بعدم الارتياح و الألم النفسي مما يجعلك تتشاغل بشىء آخر أكثر إثارة منه كي تتهرب من مذاكرة أو العمل على هذا الموضوع الأقل إثارة.

هل تجد نفسك مُقبلا على القراءة في مواضيع مختلفة في أوقات الدراسة حين المفروض أن تفرد وقت أكبر لمواد الدراسة و وقت أقل للقراءة العامة؟
هذا لأن لديك مشكلة في التسويف حيث تنفر مما أنت مجبر عليه إلى أمر محبب إلى نفسك

علاج تلك المشكلة يكمن في أمرين :
أولاً: الدراسات على تلك المشكلة خرجت بنتيجة أن إجبار نفسك على البدء في هذا الأمر الغير محبب لك يجعل هذا الشعور بعدم الارتياح يزول بعد فترة من بدء العمل عليه. لذا لا تتهرب و ورط نفسك فيه و ستجد نفسك اندمجت فيه تماما و زال الشعور بعدم الارتياح -مجرب الموضوع ده شخصيا-

ثانيًا: ضع نظامًا لنفسك بحيث لا ترهقها في العمل على هذا الأمر. غالبًا ما يستطيع الإنسان التركيز على موضوع ما خلال 25 دقيقة تقريبا قبل أن يبدأ بالإرهاق منه أو الملل من العمل عليه.
فرّغ نفسك من كل ما يشغلك و يشتت تركيزك و اضبط مؤقتك على 25 دقيقة و ابدأ العمل على ما تريد. عندما تنتهى الـ 25 دقيقة اعط لنفسك 5 أو 10 دقائق من الراحة الذهنية التامة. سواء كنت ستتحدث إلى شخص أو تقوم لإعداد بعض القهوة أو الشاي أو ستستلقي بذهن فارغ من التفكير في أي مشكلة.

خلال فترة الراحة فأنت تعطي لعقلك الفرصة كي يهضم المعلومات التي كنت تعمل عليها منذ قليل و يتحول قليلا من الـ Focus Modeإلى الـ Diffuse Mode ليعطيك مفاتيح جديدة عند العودة للعمل على ما تركته منذ قليل و بهذا تعود متجدد النشاط و بذهن أكثر قدرة على استكمال العمل على تلك المشكلة.

إرهاق ذهنك بالعمل المتواصل على مشكلة ما خاصة إن كانت صعبة ولا تجد لها حل فهذا غالبا لا يؤدي إلى حل المشكلة. يجب أن تعطي لعقلك فرصة للراحة و القيام بإعادة ترتيب الأمور و توليد أفكار جديدة عبر الخروج من التركيز في نقطة معينة إلى الاسترخاء التام.

Tired

النوم عامل هام جدا من عوامل عملية الفهم و التركيز. خلال عملية النوم يقوم المخ بالتخلص من المركبات الضارة التي تتولد أثناء إجهاده وقت الاستيقاظ كما يقوم بتحليل المعلومات و تكوين روابط عصبية جديدة تعطيك إمكانيات أفضل للفهم و التحليل.

النوم … أحد أهم مكونات عملية الفهم و تعلم المهارات -و أكثرها شعبية في الواقع

طوال فترة اليقظة و استهلاك العقل المتكرر في التفكير و حل المعضلات الصعبة تنشأ من تلك العملية مركبات تعيق عمل المخ و يتسبب تراكمها داخل ألياف المخ إعاقة لكفاءة عملية التفكير و التحليل و كفاءة استخدام قدرات المخ على الوجه الأمثل.

لهذا نصل إلى آخر اليوم مرهقين ذهنيا خاصة مع يوم مزدحم بالعمل ولا نعد قادرين على مواصلة استخدام المخ في الـ Focus Modeبفعالية كما كنا نفعل من قبل و بالتالي نلجأ فطريا إلى أخذ قسط من الراحة و النوم.

خلال عملية النوم يقوم المخ بعمل التالي
أولاً: يقوم بتنظيف نفسه و التخلص من تلك المركبات التي تعيق عمله و سحبها من داخل ألياف المخ بحيث تستيقظ مستعيدًا لنشاطك الذهني مستعدًا ليوم جديد من العمل و الإجهاد.
الأمر يشبه تنظيف تانك السيارة من الشوائب و الترسبات الضارة التي تقلل من كفاءة احتراق الوقود. عندما يكون التانك متسخًا مليئًا بالشوائب تكون عملية الاحتراق سيئة و بالتالي لا يعمل موتور السيارة بالكفاءة المرجوة.

ثانيًأ: يقوم المخ بالدخول في الـ Diffuse Mode و تحليل المشاكل التي كنت تواجه فيها صعوبات في فترة اليقظة و تكوين روابط جديدة بين الخلايا العصبية تساعد على حل تلك المشاكل بأفضل مما لم تستطع من قبل. أي أن المخ بيعمل update للروابط العصبية أثناء فترة النوم لمواجهة التحديات بشكل أفضل

عندما تحرم نفسك من النوم فأنت بهذا تحرم نفسك من الحصول على تلك المميزات و تؤذي عقلك كثيرا. إضافة إلى أن هناك العديد من الأمراض مرتبط بقلة النوم مثل الاضطرابات في الوظائف العصبية, الضغط, القلب, … الخ.

هل عندك امتحان صباحًا و تريد رفع كفائتك داخل لجنة الامتحان؟
ذاكر جيدًا و اجتهد قبل الامتحان و راجع المادة قبل موعد النوم فأنت تعطي المخ فرصة كي يحلم بما ذاكرت و يحلله لتصبح بعد النوم أكثر كفاءة. كما أنك تعطيه الفرصة لاستعادة نشاطه و التخلص من المركبات التي تقلل من كفاءته و قد تعيق قدرتك على الحل جيدًا في لجنة الامتحان

أما إذا أصررت على عدم إراحة عقلك و النوم فترة كافية … فلا تلومنّ إلا نفسك -_-

sleep

ذاكرة اﻹنسان
يوجد في مخ الإنسان أنواع مختلفة من الذاكرة. الأمر أشبه بأنواع ذاكرة الحواسيب حيث تجد Volatile memory such as RAM و Non-volatile memory such as hard disks and flash disks .

يوجد أيضا في مخك ذاكرة مؤقتة تحتفظ بمعلومات قليلة لفترة وجيزة و ذاكرة مستديمة تحتفظ بالمعلومات لفترة طويلة جدا و هي أشبه بمخزن معلومات كبير.

حينما تستخدم ذاكرتك المؤقتة فينبغي عليك تكرار ما تريد الاحتفاظ بها كي لا تنسي, مثلا عندما تريد حفظ رقم تليفون لم تحفظه من قبل و تريد الاحتفاظ به في رأسك لحين كتابته في ورقة. فأنت تكرره كي لا تنساه حتى تكتبه.

أما ذاكرتك المستديمة فأنت تحفظ فيها كل المبادىء و المفاهيم الأساسية التي تتعلمها في حياتك، مثلاً مبادئ الرياضيات الأساسية، العلوم التي تستعملها في عملك، أسماء الأصدقاء و الأقارب، مبادئ العلوم التي تعلمتها من قبل … الخ.

أيضًا كي تحتفظ بتلك المبادىء فعليك استذكارها جيدًا و تكرارها كثيرًا كي تثبتها في ذاكرتك المستديمة و تحتفظ بها لتستعملها فيما بعد.

إذًا ما هي الوسيلة الأمثل كي تحفظ مبادئ و معلومات جديدة في الذاكرة و تحتفظ بها أطول فترة ممكنة؟

بالتأكيد التدريب و التكرار أمر أساسي، و لكن استنتجت التجارب في هذا الشأن أمرا هامًا، إذا كنت ستحتاج إلى تكرار معلومة ما 20 مرة -مثلاً- كي تحفظها فإن تكرارها 20 مرة موزعة على فترات متباعدة أكثر فاعلية بكثير في تثبيت المعلومة من تكرارها 20 مرة في يوم واحد أو دفعة واحدة.

عندما تحتفظ بمعلومة في خلايا مخك فتلك المعلومة مع الوقت تبهت و تضعف داخل الذاكرة خاصة أنك تحفظ غيرها و تتعلم مهارات جديدة و تتغير روابط الخلايا العصبية داخل مخك باستمرار,، لذا فإنك عندما تؤكد على المعلومة كلما ضعفت و تقويها أفضل بمراحل من أن تكررها كثيرًا مرة واحدة ثم تتركها اعتمادًا على حفظك في تلك المرة.

تذكر أيضا فائدة النوم في تكوين روابط عصبية جديدة و تقوية المعلومات و الخبرات المهمة التى تعلمتها خلال اليوم فأنت عندما تكررها على أيام متباعدة فأنت تستفيد من مميزات النوم في تقويتها و الاحتفاظ بها.

إذًا لكي تحتفظ بمعلومة و تنقلها من الذاكرة المؤقتة للذاكرة المستديمة فأنت تكررها و تذكّر نفسك بها على فترات متباعدة. و لكي تستخدم معلومة أو مبدأ مهم في حل مشكلة ما فأنت تسترجعها من الذاكرة المستديمة إلى الذاكرة المؤقتة لتستعملها في حل المشكلة التى تعمل عليها.

Memory Comic

الفقرة الآتية بقلم م. محمد حجاج

هل من الممكن للشخص أن يغير مجاله نهائيًا بعد أن يحصل على درجة الدكتوراة فيه؟ كأن ينتقل للأحياء بعد الحصول على الدكتوراة في الفيزياء؟ وهل يمكنه أن يتميز في المجال الجديد؟

الإجابة هي: Terrence J. Sejnowski (“ترينس سيناوسكي”، هكذا سمعت نطق الاسم)

خذ نفس عميق
بعد أن حصل على الدكتوراة في الفيزياء بجامعة برينستون Princeton University، انتقل للعمل في قسم الأحياء بنفس الجامعة، بعدها انتقل للعمل في قسم البيولوجيا العصبية Neurobiology في مدرسة الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School، ثم قسم الفيزياء الحيوية Biophysics بجامعة جونز هوبكينز Johns Hopkins University.

يعمل Terrence الآن كبروفيسور للعلوم الحيوية، وبروفيسور ملحق بأقسام العلوم العصبية، علم النفس، العلوم الإدراكية، علوم الحاسب، والهندسة بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو، ومدير معهد الحوسبة العصبية Institute for Neural Computation بنفس الجامعة. من الجدير بالذكر أنه أحد 10 أشخاص على قيد الحياة في العالم ممن تم انتخابهم للإنضمام للأكاديميات الوطنية الثلاثة في الولايات المتحدة للعلوم، الهندسة، والطب.

الآن يمكنك إخراج النفس!


الجزء الثاني:

تمهيد

فى المقال السابق تحدثنا عن معرفة أنماط التفكير وعلاقة النوم بالتفكير ومشاكل التسويف والموهبة وتغيير مجال العمل أو الدراسة وبيان صحة ذلك من عدمه، كما تحدثنا عن بعض أنواع الذاكرة  فى الإنسان. فى هذا المقال سنتناول كيف يقوم المخ بتكوين روابط بين الأفكار الجديدة و المبادىء القديمة التى يعرفها أثناء المذاكرة  و تمتد الروابط لتكوين ما يُسمى بالـ Chunks وهي بناء معلوماتي يتمحور حول موضوع معين أو مهارة معينة و ترتبط فيه الأفكار بعضها ببعض بحيث يسهل تذكرها و استذكارها.

تخزين المعلومات داخل مخ الإنسان ليس مثل تخزين المعلومات داخل شرائح الذاكرة Flash Memories. يخزن المخ ما تتعلمه من مفاهيم جديدة عن طريق تكوين روابط عصبية بين خلايا المخ و تختلف الروابط باختلاف المهارات. فالروابط العصبية لمخ لاعب الشطرنج ليست كالروابط العصبية لمخ الرسام أو لاعب الكرة أو عالم الفيزياء … إلخ.

هناك في علوم الحاسب ما يُسمى بالـ Data Compression وهو تقليل الحيز الذي تحتله البيانات في الذاكرة لاستفادة أمثل من الذاكرة المتاحة في الـ Computer System.

إحدى وسائل تقليل حجم البيانات هو الاحتفاظ بالفوارق بينها فقط و ليس البيانات ككل. مثلا لو قلت لك أن تحفظ ثلاثة أرقام في ذاكرتك حالاً وهم 1453466643 و 1453466640 و 1453466646. الطريقة الصعبة أن تأخذ كل رقم و تحفظه على حِدَةٍ. حينها ستستهلك مجهود أكبر في الحفظ و حيز أكبر في ذاكرة مخك.

لكن لو لاحظت أن الأرقام يوجد بينها فوارق صغيرة من مضاعفات الرقم 3 حينها ستحفظ مثلاً الرقم 1453466640 و تنسب الرقمين الآخرين إليه بأن تتذكر فقط أن أحدهما هو حاصل جمع الرقم الذي حفظته مع 3 و الثاني حاصل جمع الرقم السابق مع 3 أيضًا.

حينها تجد نفسك قد حفظت رقم واحد و بذلت ثُلُث المجهود في الحفظ. عندما تريد تذكر الأرقام ستتذكر رقم واحد و تزود عليه بمقدار 3 فقط. بسيطة

memorize

طيب .. ما فائدة هذا الكلام ؟

هل درست تجويد من قبل؟

عندما أتكلم عن حروف الإدغام بغُنّة … سأقول لك هى (م، و، ي، ن) … هذه أربع معلومات عندما أخبرك إياهم فيجب أن تحتفظ بهم في ذاكرتك المؤقتة و تكررهم حتى تستطيع كتابتهم في ورقة أو الاحتفاظ بهم في ذاكرتك الدائمة.

طيب لو استخدمت أسلوب أكثر ذكاءً في هذا؟ قلت لك أن حروف الإدغام بغنة هي مكونات كلمة “ينمو” كم يلزمك من المجهود للاحتفاظ بهم في الذاكرة المؤقتة؟

أنت في الأصل تعلم كلمة “ينمو” و لكن ستحتاج مجهود قليل للربط بأن تلك الكلمة حروفها هي ذات حروف الإدغام بغُنّة.

إذًا ما الحجم الذي احتلته تلك الكلمة في ذاكرتك مقارنةً بالحروف مُفردة؟ لو قلنا أن كل حرف استلزم وحدة ذاكرة أي أن الحروف احتلت 4 وحدات لأجل 4 حروف، فإن الحروف مجمعة في كلمة “ينمو” احتلت وحدة ذاكرة واحدة فقط.

إذًا فإن في داخل مخك وسيلة أيضًا لعمل Data Compression للبيانات بحيث تحتل مساحة أقل في الذاكرة و تبقى فترة أطول بكثير عنها إذا ما حُفظت كمعلومة مُجردة غير مربوطة بشىء.

فالمعلومات في المخ هي “بناء“ تراكمي و ليست مجرد معلومات مفردة. ليست كلها كذلك و لكن المعلومات التى تبقى منها و تثبت هي كذلك و البقية التي لا ترتبط بمعلومة أخرى تكون أضعف و أقل ثبوتًا.

كذلك المعرفة البشرية تراكمية ترتبط ببعضها البعض كالبناء.

lego-build

تكوين chunks

لكي تساعد عقلك على ربط المعلومات الجديدة التى تتعلمها بالمعلومات القديمة التي تعلمتها من قبل يجب عليك البُعد عن أي مشتتات تشتت عقلك أثناء المذاكرة. اغلق التلفاز واغلق متصفح الانترنت و ابتعد عن الضوضاء و ركــــز.

أثناء محاولتك لفهم أمر ما فأنت تستعمل الـ Focus and Diffuse Modes كما ذكرنا من قبل. عندما يبدأ العقل في فهم المعلومات فهما جيدا يبدأ بتكوين الروابط بينها وبين المعلومات القديمة. بالطبع فإن الروابط تتكوّن بين المعلومات المتشابهة، مثلاً عند تعلّم مهارة جديدة في كرة القدم فإنها تترابط مع المهارات القديمة، وحين تتعلم قوانين جديدة في الرياضيات فهي تترابط مع القوانين القديمة … و هكذا.

إذاً فلكي تكون تلك الروابط التي تجمع المعلومات في Chunks فلابد أن؟

نعم … لابد أن “تفهم” المعلومة الجديدة لا أن تحفظها فالفهم للمعلومة وأبعادها يعرف المخ بارتباطاتها بالمعلومات الأخرى. أما مجرد حفظ المعلومة فإن المعلومة حينها تكون مُبهمة للمخ ولا يعرف ارتباطها بالمعلومات الأخرى. سيحفظها المخ في وقت أطول ولن يستطيع تكوين روابط بينها و بين معلومات أخرى.

كنتيجة لعدم الفهم ولأنه لا توجد روابط بين المعلومة ومعلومات أخرى فإن تلك المعلومة مُعرضة للنسيان بسرعة كما أنها تحتاج إلى مجهود أكبر لتتذكرها … فاكر نظرية الجردل؟ النظرية دي صحيحة أنك بتملأ مخك بمعلومات دون فهم و تدخل الامتحان “تدلقها” في ورقة الاجابة و بعد الامتحان … تبهت المعلومات بسرعة و تُنسَى.

Exams

إذًا حِفظك للمعلومة لا يعني بالضرورة أنها ستبقى، معرفتك لكيفية حل المسائل الرياضية لا يعني بالضرورة أنك تفهم الأسس الرياضية من ورائها ولا يعني أنها ستصير جزءً من مهاراتك. يجب أن تفهم كي تبقى المعلومة و تساهم في تكوين مهاراتك بالارتباط بالمعلومات الأخرى.

طيب .. هل تتوقف عملية الفهم و تكوين الروابط عند هذا الحد؟

الآن أنت تفهم المعومة جيدًا كمعلومة مُجردة نتيجة الـ Focus Mode و Diffuse Mode وأيضًا استطاع عقلك تكوين روابط مع المعلومات الأخرى بحيث صارت أقوى و أسهل في الاستدعاء.

لكن .. متى تستخدم تلك المهارة التي تعلمتها؟ هذا عامل مهم جدًا و غيابه يعني نقص في فهم المعلومة فإدراك أهمية ما تتعلم و تطبيقاته هو جزء أساسي و هام من عملية الفهم و التعلّم ذاتها و إن لم يتحقق هذا الأمر فإنك لن تدرك متى تستخدم المعلومة و لن تستخدمها فيما بعد مما يهدد بنسيانها تدريجيًا لصالح معلومات أخرى أكثر استخدامًا.

نستخلص من السابق بعض النصائح لمذاكرة أكثر فاعلية وذكاءً

الجزء الأول: أمور يجب أن تفعلها

أولاً: كما ذكرنا من قبل، ابتعد عن الأماكن التى بها تشويش كبير وابتعد عن المُلهيات.

ثانيًا: لا تنس ما تحدثنا عنه من قبل أنك تستخدم الـ Focus and Diffuse Modes وتعطى نفسك 25 دقيقة من التركيز ثم راحة 5 دقائق.

ثالثَا: إذا كنت تذاكر من كتاب مثلاً فاقرأ ما تذاكره قراءة سريعة جدًا بحيث تتعرف على الفكرة العامة التي يتحدث عنها الموضوع. لا تهتم أن تفهم كل التفاصيل ولا تهتم لما يسقط منك أثناء تلك القراءة فالهدف هو مجرد تكوين فكرة عما أنت مُقدم عليه ويساعدك على تصنيف المعلومة لتكوين الـ Chunks كما ذكرنا.

رابعًا: قسّم ما تذاكره إلى أجزاء ثم بعد مذاكرة كل جزء أغلق الكتاب وحاول أن تسترجع في مخك أهم الأفكار التي كان يتحدث عنها هذا الجزء. ثم افتحه و اقرأه ثانيةً لتصحح لنفسك و لتتذكر ما سقط منك وكرر العملية حتى تطمئن أنك استوعبت كل الأفكار في تلك الجزئية. تلك الطريقة أثبتت الأبحاث أنها أفضل الطرق للمذاكرة.

خامسًا: اختبر نفسك دائما ولا تهاب الأخطاء لأنها تساعدك على تغطية النقاط الضعيفة في مذاكرتك.

سادسًا: استخدم الفترات المتباعدة في إعادة مراجعة ما ذاكرته  وغيّر أماكن المذاكرة كل مرة كي تعوّد مخك ألا يرتبط تذكر المعلومة بوجودك في مكان معين.

سابعًا: تجنب الحلول النمطية. حاول أثناء المذاكرة وحل الأسئلة المزج ما بين الأفكار المختلفة وإيجاد أكثر من حل للمعضلة الواحدة بحيث تستخدم مختلف الـ Chunks التى كونتها من قبل وتتعلم متى يتم استخدامها وتتعود على إيجاد حلول غير معتادة للمشاكل المختلفة. بعدها قارن بين الحلول المختلفة و فاضل بينها وانظر أيّ الأفكار كانت أفضل في حل تلك المشكلة.

الجزء الثانى: أمور يجب ألا تفعلها

أولاً: يجب ألا تتجاهل النصائح في الجزء الأول

ثانيًا: لا تحفظ طرق حل المسائل أو الأجزاء التى لا تفهمها جيدًا. غالبًا يمكنك حفظ أي شىء ولكنك ستكون أكثر قابلية للنسيان نتيجة عدم الفهم. سيأخذ منك مجهودًا في التذكر و المراجعة و لن تستطيع تكوين Chunks عن طريق ربطه بالمعلومات الأخرى.

ثالثَا: لا تُوهم نفسك بأنك قد ذاكرت بمجرد قراءتك نص ما أو طريقة حل مسألة وفهمت النص أو فهمت طريقة الحل. ربما تكون قد فهمتها ولكنها لن تثبت بلا ممارسة ومذاكرة حقيقية وليس مجرد قراءة. الأمر أشبه باستخدام Flash Disk لتشغيل مقطع صوت على الحاسوب. بمجرد أن تزيل الـ Flash Disk فيصبح مقطع الصوت غير موجود. كي تحتفظ به يجب أن تنسخه أولاً إلى حاسوبك قبل إزالة الـ Flash Disk.

رابعًا: لا تستسهل مذاكرة ما قد أتقنته فعليًا فإنك بهذا تهدر الوقت وتفوّت مذاكرة الأمور التي لم تتقنها بعد. لا تستسهل ولا تؤجل المقاطع الصعبة من المذاكرة فإن هذا الأمر يكون له تأثير سىء على التناسب بين ثبوت الأفكار في مخك.

تركيزك على مذاكرة أو استخدام فكرة أو مجموعة أفكار بعينها مع تجاهل المهارات الجديدة التي يجب أن تتعلمها و تنميها يصيبك بنوع من النمطية ونقص الإبداع. حيث أن مجموعة الأفكار التي تركز عليها ستكون هي المسيطرة على طريقتك في حل المشكلات وتمنع مخك من استخدام الأفكار الأخرى وبالتالي تمنعك من التوصل لحلول إبداعية للمشاكل المختلفة.

خامسًا: لا تبدأ في خطوات حل مسألة ما أو مشكلة ما بدون أن تحلل أولاً ما الأفكار الأساسية التي يعتمد عليها الحل.

تحدثنا سابقًا عن الـ Chunks وقلنا أن تكوينها يساعد على ترابط المعلومات المتعلقة بموضوع فتصبح وكأنها معلومة واحدة تحتاج أن تتذكر الفكرة الأساسية لها كي ينساب المخ في تذكر التفاصيل. مثل العقد المنظوم.

بناءً على هذا المفهوم … لماذا يمتلك بعض الناس القدرة على حل المشاكل و ابتكار الحلول أكثر من البعض الآخر؟

هل يلزم الإنسان الاهتمام بمجال عمله أو دراسته فقط؟ هل القراءات المتنوعة في تخصصات أخرى مجرد تضييع لوقت ثمين كان من المفترض أن تقضيه في تعميق معرفتك في مجال تخصصك؟

في الواقع فإن السؤال الأول هو إجابة السؤال الثاني.

حينما تُكوّن الـ Chunks في مخك فأنت تكوّن مفهوم عام لحل مشكلة بمعطيات معينة، قد تقابل مشكلة بمعطيات مشابهة عمومًا والاختلاف في المسميات فقط ولكن طريقة علاج كلتا المشكلتين متشابهة.

مثلاً … قد تجد في علم شبكات الحاسب نماذج تصلح كأفكار متبكرة لنظم إدارة العمل في الشركات، وقد تجد في العلوم العسكرية تكتيكات تصلح لأن تُطبق في عالم إدارة الأعمال، و هكذا.

لذا فإنك باطلاعك المتنوع وتجريبك للعديد من القراءات فأنت تُثري عقلك بمكتبة واسعة من الـ Chunks. حين تستخدم Chunk من مجال لتدمج تقنياتها في حل المشاكل في مجال آخر فأنت حينها تفكر خارج الصندوق حقًا.

اجعل لنفسك نصيبًا من القراءة في مجالات متعددة، و تذكر أنك ربما لا ترى فائدة عملية في مجال عملك في تعلم الرياضيات مثلاً. و لكن ثق تمامًا أن عقلك لن يكون كعقل الباقين من الزملاء الذين لم يتعلموها.

كن متعدد القراءات واسع الاطلاع تكن مُبدعًا فريدًا في مجالك.

etc

أحيانًا نتحمس لمذاكرة موضوع ما وأحيانا نفقد الاهتمام بمذاكرة موضوع آخر.

غالبًا المواضيع التي تثير الاهتمام هي أسهل المواضيع في تعلمها، ليست سهولة من حيث سهولة المحتوى وإنما من حيث القابلية النفسية للعمل عليها. و العكس صحيح فالمواضيع التي تبدو لنا مملة أو لا تثير الاهتمام تكون أصعب في التعلم ولو كانت سهلة المحتوى. لماذا؟

يوجد في المخ خلايا عصبية تتشعب بين باقي خلايا المخ تعمل على التحفيز العصبي لخلايا المخ عبر افراز مركبات كيميائية ذات وظائف محددة.

على سبيل المثال، مُرَكَّب Dopamine الذي تفرزه تلك الخلايا العصبية يعمل على تحفيز خلايا المخ بناءً على استقبال المخ لأمر لخبر مفاجىء سعيد -هدية مثلا- وهو كذلك يحفز خلايا المخ عند توقعه عائد كبير في المستقبل مترتب على عمل ما.

لذا فإن معرفة “لماذا أنت مضطر لمذاكرة موضوع ما” يساعد على إفراز الـ Dopamine ليحفز خلايا مخك على الاستعداد للمذاكرة ومعالجة المعلومات. لا تذاكر بلا هدف.

هناك مُرَكَّب آخر اسمه Acetylcholine تفرزه الخلايا العصبية المذكورة أثناء عملية التركيز في محاولة الفهم و المذاكرة، يساعد هذا المركب على تنشيط عمل خلايا الذاكرة و تقويتها من أجل تفعيل الذاكرة بعيدة المدى كي تستقبل وتحتفظ بالمعلومات.

هناك مُركبات أخرى في المخ غير تلك المركبات يمكن معرفة المزيد عنها من مصادر أخرى على الانترنت.

للمزيد اطلع على موقع BrainFacts

thinkingcap


الجزء الثالث:

تمهيد

فى المقال السابق تناولنا كيف يقوم المخ بتكوين روابط بين الأفكار الجديدة و المبادىء القديمة التى يعرفها أثناء المذاكرة وتمتد الروابط لتكوين ما يُسمى بالـ Chunks، فى هذا المقال سنتحدث عن مشكلة التسويف بالتفصيل وكيفية تحليلها و فهمها فهمَا جيدًا كي نُوجد الحل المناسب.

تكلمنا في الدرس الأول عن مشكلة التسويف وعلمنا بعض الوسائل لتجاوزها، لكن … هل جربتها و لم تنفع؟

يبدو أننا نحتاج في المحاضرة الثالثة إلى إفراد مساحة أكبر لتلك المشكلة. خطر التسويف أنه يؤثر على حياتنا كلها و يعطل من تقدمنا في العديد من الجوانب الحياتية.

فأنت حين تعتاد التسويف لا تسوّف واجباتك الدراسية أو أعمالك و حسب بل الكثير و الكثير من الأمور تقوم بتسويفها والتكاسل عن فعلها حتى تجد نفسك قد تأخرت كثيرًا.

هناك حيل نفسية عدة تتحايل بها النفس لتسويف عمل ما. مثل الإدّعاء بأن هذا العمل يتطلب مهارات ليست لديك، أو أنك تعاني من مشكلة التسويف و لا سبيل لك لمعالجتها، أو أنك لن تنجح في القيام بهذا العمل في الوقت المطلوب … إلخ.

بعضنا لم يكن التسويف من طبعه. و لكنه بدأ معه بالتهاون بتسويف أمر صغير و تأجيله حتى فات موعده. في المرة الأولى يشعر بتأنيب الضمير، ثم يحدث معه مرة أخرى فيشعر بتأنيب ضمير أقل، ثم أخرى … إلخ حتى ينتهى به الأمر إلى التحوّل إلى تسويف الكثير من الأمور الهامة التي قد يتوقف عليها مستقبله و قد تحيله من شخص إلى شخص آخر تمامًا.

خلال المحاضرة الثالثة سنحاول إيجاد حلول جذرية للتسويف من خلال فهم طبيعته وتفكيكه و معرفة مكوناته و التحكم فيها للخروج من تلك المشكلة.

postpone-today-and-panic-tomorrow

 تحليل المشكلة ﻹيجاد حل

أظن أن كثيرًا منا جرّب أساليب التغلب على التسويف التي ذكرناها ثم يبدأ و يندمج ثم هووب يتشتت في متابعة بوست على الفيس أو قراءة تنبيه الموبايل لرسائل فايبر أو تويتر … الخ.

طيب وما العمل؟

التسويف في حد ذاته عادة. نحن عادةً نتهرب من “الواجبات” و “الأعمال” لأمور مُحببة إلى النفس أكثر. نتهرب عادةً مما هو مفروض علينا.

لذا فعلينا تحليل تلك العادة التي تقطع جلسة التركيز والمذاكرة وتضيع الكثير من الوقت.

عناصر تلك العادة تتلخص في:
[تعريب أسماء العناصر اجتهاد شخصي ولا يُؤخذ به كمعيار عند القراءة في هذا الموضوع من مصادر خارجية]

الخيط: هو الخيط الذي يغريك أن تمسك به، حدث أو أمر ما يغريك بالخروج من تركيزك و الإتجاه إلى فعل آخر، مثل وجودك قرب اتصال انترنت، سماعك صوت الموبايل تنبيهاً لوصول رسالة، سماعك صوت المعلق في ماتش كرة على التلفاز … إلخ.

الروتين: هو ما تفعله أنت كاستجابة للخيط. قريب من الانترنت ففجأة لا تقاوم فتح المتصفح للنظر إلى الفيسبوك، او تسمع صوت تنبيه تويتر على الموبايل فلا تستطيع مقاومة الفضول لقراءة الرسالة الجديدة، أو صوت المعلق الحماسي فتترك المذاكرة لتتابع ماتش الدوري الأوروبي … إلخ.

المتعة: هي السعادة التي تتحصل عليها من ممارسة هذا الروتين والتي تدفعك لترك ما تذاكره و السعي ورائها بممارسة الروتين.

الاعتقاد: هو اليقين بحتمية الحصول على المتعة من أداء الروتين استجابةً لطرف الخيط. لو لم تعتقد بتلك الحتمية فسيقل الدافع للسير في الروتين.

تلك العناصر الأربع تلخص مكونات العادة الجانبية التي تقطع عليك مذاكرتك. و لكن كيف نقوم بعلاج المشكلة بناءً على هذا التحليل ؟؟

postpone-habit

مراحل التسويف

سنقسم التسويف إلى مرحلتين:
المرحلة الأولي مرحلة ما قبل البدء في المذاكرة
المرحلة الثانية هي أثناء المذاكرة ودفع التشتت والدخول في إلهاءات أخرى

ففي المرحلة الأولى ذكرنا أنه يجب عليك البدء في مذاكرتك حتى ولو كنت ممتعضًا منها أو متكاسلاً عنها. تذكُر لماذا تذاكر و تذكُر الهدف الذي تذاكر من أجله وما العواقب الناتجة عن التأجيل المتكرر لجلسات المذاكرة. يجب أن تذاكر لأجل هدف (حبذا لو كتبت هدفك في ورقة وعلّقتها أمامك في مكان مذاكرتك).

حاول أن تصرف تركيزك عن ما ستذاكره. بالطبع هو موضوع طويل وقد يأخذ ساعات عديدة وستنظر إليه وتقول “لسه هذاكر كل ده -_- “، كلا لست مضطرًا لمذاكرة كل هذا. اتفقنا على تقسيم المذاكرة إلى جلسات مدتها 25 دقيقة. لذا فأنت ستقضي الـ 25 دقيقة في تركيز تام بغض النظر عن طبيعة ما تذاكره. مجرد 25 دقيقة من التركيز و ينتهى الأمر … هذا ما ستشغل عقلك به بعيدًا عن طبيعة الموضوع المطلوب مذاكرته.

يُفضل أن تقسم الموضوع على أكثر من جلسة مذاكرة موزعة على أيام الأسبوع في كل جلسة تأخذ فكرة واحدة من الموضوع و تهضمها جيدًا. هكذا يمكنك أن تتغلب على الملل الذي يمنعك من البدء فيه خاصة لو كان كبيرًا.

studying_the_night_before

في المرحلة الثانية سننظر إلى العناصر التى تؤدي إلى تركك المذاكرة و التشتت لفعل أمر آخر

هناك طرف “خيط” يؤدي إلى دخولك لا إراديًا في “روتين” جانبي بعيدًا عن المذاكرة، لذا سنلغي طرف الخيط هذا بقدر المستطاع.

عندك جلسة مذاكرة ولا تريد المقاطعة. اغلق التلفاز، الموبايل، افصل الانترنت، ابتعد عن الضوضاء وحبذا لو ذهبت إلى مكان هادىء لا يعرفك فيه أحد فلا يقاطعك عن المذاكرة أحد … ستلغي كل احتمال لوجود شىء يشتتك بعيدًا عن جلسة المذاكرة.

ستحاول إكساب جلسات المذاكرة صفة الروتين الممتع بأن تضيف إليها عامل المتعة أو المكافأة التحفيزية. عندما تنتهى من مذاكرة موضوع ما كافىء نفسك بأمر محبب إلى النفس، مثل مشاهدة التلفاز، أكلة تحبها، ممارسة رياضة محببة، الاتصال بأصدقاءك و الحديث معهم … إلخ. هذا أمر حتمي أن تكافىء نفسك على نجاحاتك الصغيرة.

و أخيرًا … يجب عليك الاعتقاد في نجاح خطتك في المذاكرة. لن تنجح في مقاومة التشتت و التأجيل طالما تقول لنفسك “أنا لن أنجح” بل ينبغي أن تحاول و تسجل ملاحظاتك عن أدائك كل مرة ثم تقوم بتعديل الخطة حتى تكون الروتين الخاص بمذاكرتك الذي تألفه النفس ولا يطلق لديك الشعور بالملل أو عدم الارتياح.

penguin-quote

الإعداد الجيد للمذاكرة

مأساة كل يوم … تجلس على المكتب لتذاكر فيتوقف عقلك للحظات … ماذا سأذاكر؟

وقت يضيع في التفكير، شعور بزحمة كبيرة وفوضى في عقلك حول واجباتك التي ستؤديها، فوضى في عملية المذاكرة وعشوائية في التنقل بين الواجبات، في الآخر بتزهق و تروح تلعب PS

هذا لأنك لم تخطط و تضع جدول للمذاكرة و الواجبات مسبقًا.

في أول كل اسبوع امسك ورقة واكتب باختصار ماذا تريد أن تحقق هذا الأسبوع. مثلاً أريد أن … أذاكر أول فصلين في الفيزياء و أقوم بعمل تمرينات كرة السلة، سأقوم بإنجاز مهام كذا و كذا، التجهيز لامتحان مادة … إلخ. بصورة عامة وبلا تفاصيل كثيرة. كل عمل و الوقت الذي سيستغرقه [تقريبًا].

في كل ليلة امسك ورقة أخرى و اكتب عليها ما ستفعله غدا … هنا بالتفاصيل، من الساعة كذا لكذا ستفعل كذا، و من كذا لكذا ستفعل كذا … إلخ.

funny-angry-kid-studying

أثناء كتابتك الجدول اليوم راع الأمور الآتية:

– ضع الأمور التي تظن أنها أثقل على نفسك في بداية الجدول لتقوم بها أولاً.

– لا تنس أن تفصل بين كل جلسة مذاكرة و الأخرى بفترة راحة قصيرة (25 عمل – 5 راحة).

– إذا كانت هناك أعمال بدنية [مثل لعب رياضة] فاجعلها تفصل بين جلسات المذاكرة لتساعد عقلك على الراحة من الـ Focus Modeليدخل في الـ Diffuse Mode و يساعدك عند العودة لمذاكرة نفس الموضوع في جلسة أخرى.

– لا تضع جلستين مذاكرة متعاقبتين في نفس الموضوع إن كان الموضوع يستغرق أكثر من جلسة.

– خطط للوقت الذي ستنهي فيه كل أعمالك وطبقًا لتقديرك للتوقيتات فالجدول سينتهى عند هذا الوقت. بعد هذا الوقت يمكن أن يكون لديك جدول آخر ذو طبيعة مختلفة مثل عمل ليلِي، عمل تطوعي، دروس ليلية، فترة ترفيهية أو وقت تقضيه مع الأسرة … إلخ.

– أثناء وضعك للجدول حاول أن تكون واقعي في تقديرك للأوقات, دون الملاحظات حول مدى دقة تحديدك للاوقات و ما يستغرقه كل عمل كي تتلافي الأخطاء فيما بعد.

– لا تنس وقت المكافأة.

– لا تبتئس إذا لم تسر حسب الجدول في أول مرة. حاول، قم بالتعديل، حاول، قم بالتعديل، حاولــ…… لا تيأس

To-Do-List-Nothing

فاصل ونعود

حد يعرف فيلم “فاصل و نعود” لكريم عبد العزيز؟
كانت قصة الفيلم عن شخص تعرض لهجوم تسبب في إصابته بضرر في الذاكرة مما جعله لا يستطيع الاحتفاظ بمعلومة إلا لثوان معدودة. لكي يحتفظ بالمعلومة كان يكتبها في ورقة أو على أجزاء من جسمه قبل أن ينساها. كثير شاهدوا هذا الفيلم [فكرة الفيلم مأخوذة من فيلم أجنبي اسمه Memento] و لكن هل تسائلت لماذا لم ينس المعلومات القديمة قبل الحادث و ينسى المعلومات الجديدة فقط؟

تُرى ما الضرر الذي يمكن أن يتعرض له الإنسان في مخه كي يصاب بعدم القدرة على الاحتفاظ بأي معلومات ولا تتكون له ذاكرة جديدة؟

الروابط العصبية داخل المخ ليست ثابتة بل تتغير باستمرار. أنت تتعلم مهارات جديدة تحتاجها في تلك الفترة من حياتك وتنسى لصالحها مهارات قديمة لم تعد بحاجة إليها، تتكون روابط في المخ وتتفكك روابط أخرى [أثبتت الأبحاث على الأطفال أن الأطفال لديهم القدرة على تمييز أكثر من لغة ولكن يفقدون تلك القدرة لصالح تعلم لغة واحد باتقان و هي لغتهم الأم].

عملية تحديث الذاكرة بمعلومات جديدة تُسَمَّي Consolidation وعملية تحديث المعلومات القديمة بالزيادة عليها لبناء Chunks من المعلومات تُسَمَّى Reconsolidation حيث يتم استدعاء المعلومات من الـ Long Term Memory إلى الـ Short Term Memory أثناء الـ Focus Mode وبعد التوصل إلى نتائج يتم حفظها في الـ Long Term Memory مرة أخرى.

الجزء المسؤول عن تلك العملية في مخ الإنسان يُسمى The Hippocampus وهذا الجزء هو الموضح في الصورة. عندما يتضرر ذلك الجزء من المخ يفقد الإنسان القدرة على الـ Consolidation و الـ Reconsolidation ويتوقف عن اكتساب أي معلومات أو مهارات جديدة و بالتالي ينسى كل ما يتعلمه أو يحفظه خلال ثوان.

 

تقنيات جيدة لتقوية القدرة على الحفظ و التذكر منها الذكي و منها المبدع و منها المجنون

نمتلك في أدمغتنا ذاكرة تصويرية رائعة. يمكنك الحديث مع شخص ما دقيقتين أو ثلاث ثم لا تنسى وجهه بعد عام من وقت أن تحدثت معه. تلك الذاكرة التصويرية هي التي تساعدنا على حفظ خرائط كاملة للأماكن التى نعتاد الذهاب إليها و المدن التي نزورها و نتجول فيها و الكثير من المعلومات المصورة.

بل تستطيع أن تقول أنك مع إتقان لغة جديدة تتحول كلماتها من حروف مرتبطة ببعضها تقرأها حرفا حرفا كي تدرك الكلمة التي تمثلها إلى Pattern أو صورة كاملة مستقلة بذاتها لا تحتاج للمرور على حروفها لفهمها بل تصبح الكلمة مجرد “صورة” تعرفها بالنظر إليها نظرة واحدة.

بالطبع قدرتنا على تذكر الصور كاملة ليست بالقوة بدليل أنك قد تمر بسرعة على كلمات فيها أخطاء مطبعية ولا تدرك وجود الخطأ لأنك لم تنتبه إلى التفصيلات بل عقلك ترجم “صورة” الكلمة بأكثر الكلمات مشابهة لها في ذاكرتك التصويرية.

sotp
يمكننا الإستفادة من تلك الذاكرة التصويرية القوية خلال المذاكرة لتقوية حفظك و زيادتك سرعتك في حفظ المعلومات في ال Long Term Memory و ذلك بأن تربط المعلومة بصورة ذات ارتباط وثيق في ذهنك بالمعلومة, سواء كانت صور ذات ارتباط مباشر بالمعلومة أو روابط رمزية أنت تكونها بين الصورة و المعلومة.

مثلا لو تريد حفظ قانون: F = am حيث F هي القوة، m هي الكتلة، a هي العجلة “التسارع” و تريد أن تضع صورة تربط القانون بها بحيث كلما تذكرت الصورة تذكرة القانون. لنفرض أن الصورة تمثل F)ace of (A)ngry (M)an) كما هو موضح

Angry-Lego
هناك طريقة لذيذة للمساعدة في تلك العملية. أن ترسم الصورة بجانبها القانون(am) على وجه كارت صغير ثم تقلب الكارت و تكتب رمز F على الوجه الآخر. تنظر إلى الوجه الذي فيه حرف F فقط وتحاول تذكر القانون فإذا جاءت في مخيلتك صورة الـ Angry Man تذكرت القانون. تقلب الكارت لتتأكد من الإجابة

هناك برنامج يستخدم لغرض مشابه و هو تكوين مجموعة كروت تجمع فيها الأفكار الخاصة بموضوع ما و هو يختبرك فيها على فترات متباعدة كي يتأكد من حفظ لها و كي تظل المعلومات حية في الذاكرة. اسم البرنامج Anki Flash Cards.

 

إن غاب عني حبيبي هَمَّني خَبَرُه

إحدى طرق تسهيل الحفظ هي جمع معلومات متفرقة في سياق واحد يسهل تذكره. العبارة السابقة سهلة الحفظ جدا “إن غاب عني حبيبي همني خبره” و أحرف البداية في الكلمات “ء غ ع ح هـ خ” تمثل مجموعة حروف “الإظهار” في علم التجويد.

حاول حفظ تلك الحروف مفردة و انظر كم من الوقت ستتذكرها و حاول حفظ تلك العبارة البسيطة قريبة المعنى و انظر كم من الوقت ستتذكرها. تجد في علم التجويد مثلا استخدام تلك التقنية كثيرًا, تقريبا لا تجد مجموعة أحرف خاصة بحكم إلا و مجموعة في كلمات أو عبارة سهلة الحفظ.

هناك تقنية أخرى للحفظ تعتمد على الخيال و التصور الذهني تُسَمَّى Memory Palace . التقنية تطبيقها كالآتي:

أولاً: تنتقي مكان ما أنت تعرف بتفاصيله جيدًا و تبني تصوره في عقلك.
ثانيًا: تستخدم مخيلتك للتجول في هذا المكان [في ذهنك].
ثالثًا: تبني تصور للأشياء التي تريد تذكرها و هي موجودة في مناطق متفرقة من هذا المكان في خيالك و في وضعيات غريبة غير مألوفة.

تُكرر هذا الأمر حتى تبني تخيل قوي في ذهنك عن المكان بقائمة الأشياء المبعثرة.

عندما تريد تذكر تلك القائمة فأنت ترجع إلى ذهنك و تتذكر النموذج التخيلي الذي بنيته للمكان وتتجول فيه و تحاول تذكر الأشياء المبعثرة واحدًا بعد الآخر.

charge-brain

مثال: أريد تذكر قائمة من أربعة أشياء سأشتريها “بيض، لبن، عصير، كرة قدم”.

سأتخذ بيتي الخاص أنه المكان الذي أستخدمه في تلك التقنية. سأبني تفاصيله في رأسي و أتجول فيه في خيالي.

هذا هو البيض في كيس أسود و لكنه سقط مني وانكسر على أرضية المطبخ، و ها هو اللبن موضوع في إناء على الموقد ينتظر أن أقوم بغليه، و العصير موضوع على المنضدة أمام التلفاز وجاهز لجلسة مسلية من مشاهدة فيلم وثائقي و الكرة … للأسف أحدهم ركلها فكسرت التلفاز و انحشرت داخله

قد تبدو تلك التقنية غريبة، مجنونة و صعبة التنفيذ ولكن [حسب ما ذُكر في المحاضرات] هي تقنية فعّالة جدًا في تذكر الأشياء التي تريد حفظها خاصة إذا كانت غير مترابطة، أيضًا تقوي تلك التقنية القدرة على التخيل والإبداع.

تأخذ التقنية وقتًا في البداية لتكوين النموذج في الذهن وتكوين التصورات للأشياء داخله و لكن مع كثرة الممارسة ستكون سهلة التطبيق.

غير مقتنع؟ أنا غير مقتنع أيضًا و لكن لا ضير من التجربة


الجزء الرابع:

لكل إنسان قدرات خاصة يتميز بها عن غيره

البعض يمتلك القدرة على التركيز الشديد و الوصول إلى حلول سريعة للمعضلات، البعض الآخر يمتلك قدرة عالية على الحفظ السريع، آخرون يمتلكون القدرة على الإبداع و خلق أفكار مبتكرة لحلول أكثر كفاءة.

كل عقل يحمل من المميزات بقدر ما يحمل من العيوب.

من يستطيع حل المعضلات بسرعة قد يمتلك قدر من النمطية يمنعه من الإبداع حيث ينشغل المخ في تدوير ما يسمى بالقطع أو ما سميناها سابقاً بـ Chunks المعتادة لحل تلك النوعيات من المشاكل و ينحصر تفكيره في نقاط محددة و ينشغل عن إيجاد حلول مبتكرة قد تكون أكثر كفاءة من الحلول التقليدية.

من يستطيع الحفظ سريعا قد لا يهتم بفهم كل ما حفظ لاعتماده الشديد على سرعة الحفظ و تغليبها على الحفظ عن طريق الفهم و قد ذكرنا سابقا أن الفهم يعين على حفظ و تثبيت المعلومة, لهذا يلجأ من لا يملك سرعة في الحفظ إلى محاولة الفهم الجيد أولا لما سيقوم بحفظه مما ينمي قدرته على الفهم و الاستنباط.

من يمتلك القدرة على توليد الأفكار و الإبداع قد لا يمكنه الاحتفاظ بتركيزة لفترة طويلة فيشرد ذهنه أثناء محاولة فهم و توليد الأفكار الجديدة مما يطيل من عملية التفكير و لكنه يسمح لذهنه بإشراك مناطق مختلفة من المخ في التفكير و استلهام الحلول من البيئة المحيطة و الدخول لفترة وجيزة في Diffuse Mode مما يساعده على تكوين روابط عشوائية تخرج بحلول غير معتادة .

لذا فمفهوم الذكاء نسبي و لكن الأكيد أن الإنسان يستطيع رفع مستوى ذكاءه بالتدريب, علمنا سابقا تقنيات تساعد على سرعة الحفظ و تقنيات تساعد على سرعة الاستيعاب و رفع مستوى الذكاء و علمنا أن ال Diffuse Mode يساعدك على الابداع و استيعاب الأفكار الجديدة تماما و تعلمها.

تعرف على مميزاتك و طورها و تعرف علي عيوبك و تغلب عليها

سانتياغو رامون إي كاخال:

سانتييجو رايمون كاهال, المراهق الجامح الذي أصبح الأب الشرعي لعلم ال Neurosciences الحديث

سانتييجو رايمون كاخال, المراهق الجامح الذي أصبح الأب الشرعي لعلم ال Neurosciences الحديث

وُلِدَ سانتييجو رايمون كاخال في أسبانيا عام 1852, كان منذ صغره طفلا مشاكسا مثيرا للمشاكل يصعب السيطرة عليه, وصل به الأمر إلى أنه دخل السجن في سن 11 عاما بعدما حطم سور حديقة جيرانهم باستخدام مدفع بدائي صنعه في منزله

كان نتيجة سلوكياته المتمردة أنه أخذ في الانتقال من مدرسة إلى أخرى و كمحاولة للسيطرة عليه ألحقه والده ليعمل عند صانع أحذية مرة و عند حلاق مرة أخرى و لكن بالطبع لم تفلح تلك المحاولات و لم يستقر بأي مكان يلتحق به.

كان سانتييجو رغم هذا مولعا بالرسم و رياضة الجمباز و لكن والده لم ير فيه إلا ذلك الشاب المشاغب الفاشل دراسيا, كمحاولة أخيرة لانقاذ الوضع و لفت انتباهه لأي تخصص ألحقه والده بالدراسة في كلية الطب في زاراجوزا بأسبانيا حيث كان يعمل بها محاضرا لعلم التشريح. اصطحبه والده في البداية إلى المقابر ليجمع العظام المتخلفة عن الموتى من أجل دروس التشريح ثم يقوم برسمها و رسم الهيكل العظمي لجسم الإنسان كجزء من تلك الدروس.

يبدو أن ولع سانتييجو بالرسم قد وافق هواه مع رسم الأجزاء البشرية في علم التشريح فراقه الأمر و انتظم في دراسته و أكمل دراسة الطب عام 1873 ثم التحق بعدها بالعمل كطبيب في الجيش الأسباني. حصل سانتييجو على الدكتوراة من جامعة مدريد ثم عمل كمحاضر في علم التشريح بجامعة فيلينسيا ثم حضل على الأستاذية من جامعة برشلونة ثم حصل عليها أيضا من جامعة مدريد.

في جامعتي زاراجوزا و فيلينسيا عمل على أبحاث الالتهابات و مرض الكوليرا, انتقل بعدها لجامعة برشلونة و هناك تحول اهتمامه للنظام العصبي المركزي في جسم الإنسان و بدأت أبحاثه تثري علم الأعصاب بشكل كبير حتى أن أبحاثه كونت القاعدة الصلبة لعلم الNeurosciences الحديث و بنيت عليها الكثير من الأبحاث المتقدمة في ذلك العلم فيما بعد. حيث اكتشف الكثير عن عمل المخ و الخلايا العصبية و شبكات الأعصاب في النظام العصبي و طور نظريات هامة في هذا الشأن

نال جائزة نوبل على اكتشافاته في علم الأعصاب سنة 1906 بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأدبية و المعنوية من عدة جهات.

ورغم أن سانتييجو لم يكن حاد الذكاء و كان ذكاءه في المستوى المتوسط إلا أنه كان يؤمن بشىء مهم: أن المثابرة و الصبر على التعلم و البحث تستطيع أن ترفع الإنسان العادي لمستوى العباقرة. نتيجة امتلاكه تلك المثابرة استطاع التفوق على أقرانه حيث أسمى مستوى ذكاءه العادي بأنه “نعمة الافتقار إلى العبقرية” ففي رأيه أن العباقرة يستطيعون الوصول إلى نتائج استثنائية و لكن يفوتهم تفاصيل يظنونها غير هامة تصنع فارقا بالاهتمام بها كما أن ذكائهم قد يدفعهم إلى التحيز في إصدار الأحكام و عدم قبول الاعتراف بالوقوع في الخطأ.

تلك النقاط التي طور بها سانتييجو نفسه؛ تلك الأخطاء التي يتقبلها و يتعلم منها الكثير و الافتقار إلى الذكاء الاستثنائي الذي كان يدفعه دوما للبحث عن المزيد من المعلومات من مصادر كثيرة و القيام بالكثير من التجارب استطاع عن طريق ذلك أن يحول نقطة ضعفه إلى نقطة تفوق كبيرة جعلته في تلك المكانة.

أحيانا تمتلك نقطة ضعف مع إرادة قوية تستطيع تحويلها إلى نقطة قوة, أحيانا يمتلىء الوسط من حولك بالمثبطات و بالتشكيك في قدرتك على الوصول إلى هدفك. و لكن إرادتك و مثابرتك على العلم و العمل تحول تلك المثبطات إلى محفزات تحفزك للوصول لأهدافك. ربما لم تكن تجد الدافع من قبل و لكن تلك المثبطات تولد عندك رغبة التحدي و الدافع لتحبط قناعات الآخرين الخاطئة التي تدعي عدم قدرتك على الوصول. فتصل رغما عن كل شىء


ما الذي يجعلك تدرك أن المسافة بين الأرض و القمر ليست 10 كم رغم أن الحسابات التي قمت بها تؤكد تلك النتيجة؟ ما الذي يجعلنا نراجع أنفسنا و نحكم على خطواتنا بالخطأ كنوع من التصحيح الذاتي رغم أننا اتبعنا الخطوات الصحيحة بأنفسنا؟ لماذا نقول أننا سهونا من أول وهلة؟كيفية عمل الدماغ

إنه نصف الدماغ الأيمن.

عندما تعمل على حل مشكلة ما -لتكن مشكلة حسابية- يعمل نصف الدماغ الأيسر جاهدا للوصول لحل تلك المشكلة متبعا القواعد و القوانين اللازمة, بينما نصف الدماغ الأيمن يقف كحارس للمبادىء العامة التى تحكم طبيعة تلك المشكلة.

حينما تنتهى من حل المشكلة سيقول نصف دماغك الأيسر “الموضوع انتهى, المشكلة اتحلت, كل شىء تمام, يلا نمشي”, بينما سيقول نصف الدماغ الأيمن “كلا لم ينته الأمر بعد, دعنا نجري مراجعة على الحسابات, قد يكون هناك خطأ ما”.

فهم المبادىء العامة و المفاهيم الأساسية فهما جيدا, مع ادراك أنك معرض للوقوع في الخطأ يفسح المجال لنصف الدماغ الأيمن كي ينتصر في هذا الجدل الداخلي ويدفعك لمراجعة خطواتك والتأكد من صحتها واتساقها مع الحقائق.

 

أكثر اﻷشخاص الذي بإمكانك أن خديعتها هي نفسك، لذلك تأتي القاعدة اﻷولى: لا تخدع نفسك!

– ريتشارد فينمان

لكن دعنى أخبرك يا صديقي أنك حتى مع اتباعك تلك النصيحة … ستقع في الخطأ, سيكون لديك نقاط ضعف لا يمكنك تغطيتها … إذا فما الحل؟؟؟

الحل … العمل الجماعي.

العمل الجماعي وثقافته في المجتمع:

أعلم أن ثقافة العمل الجماعي و المذاكرة الجماعية و جلسات العصف الذهني ربما لا تكون سائدة -أو محبذة- خاصة في مجتمع الطلبة وسط البيئة التنافسية التي تدفع البعض للاحتفاظ بمصادر المعلومات لنفسه كي يتفوق على الآخرين.

ربما تستطيع التفوق على الآخرين حقا, ولكن لن تستطيع التفوق على نفسك بدون مساعدتهم. يُقَال أنك إن تكن متساويا مع الآخرين في مجتمع من الأذكياء أفضل من أن تكون متفوقا في مجتمع من الحمقى

اختر مجموعة عمل تعلم منها الجدية و الاهتمام و الشغف بما ستجتمعون للعمل عليه. اجتمعوا في بيئة تساعد على المذاكرة وليذاكر كل شخص منكم الجزء الذي حددتموه مسبقا وحده قبل أن تجتمعوا. قسموا الجزء الذي اجتمعتم للعمل عليه إلى أجزاء وكل منكم يتولي جزء يدير جلسة مناقشة وعصف ذهني حوله. لتفصل فترات زمنية قصيرة بين الجلسات لتستريحوا فيها وتتسامروا قليلا لتجديد النشاط.

إذا رأيت من المجموعة عدم الجدية أو الاستغراق في الأحاديث الجانبية أو عدم تحضير الجزء المقرر العمل عليه … انه الجلسة وابحث عن مجموعة أخرى أكثر التزاما وجدية في العمل.

خلال تلك الجلسات: سترى في مناقشتهم عيوبك بوضوح, ستتحطم مفاهيم خاطئة كنت تظنها صحيحة وتنبني مفاهيم صحيحة بدلا منها, سترتفع ويرتفعون معك والأهم من ذلك … ستتعلم ما لم تعلمه لك الأسطر في الكتب.


الجزء الخامس:

حان موعد الامتحان 

 – مرحلة ما قبل الامتحان

قبل استقبال فترة الامتحانات هناك قائمة من الأسئلة يجب أن تحرص أن تكون معظم -أو كل- الإجابات عنها بـ”نعم

– هل بذلت مجهودات جدية واستخدمت التقنيات المختلفة لفهم المقرر ؟
– هل قمت بالمشاركة في مجموعات مذاكرة للتأكد من فهمك وصحة حلولك للأسئلة المتعلقة بالمقرر ؟
– هل قمت بمذاكرة المقرر قبل النقاش مع زملائك حوله وحول أسئلته ؟
– هل قمت بمراجعة أستاذ المادة وسؤاله حول المشاكل التى تواجهك والتي يصعب عليك فهمها ؟
– هل فهمت كل حلول المسائل والواجبات بعدما توافرت حلولها النموذجية ؟
– هل قمت بعمل قراءة سريعة لكل المسائل والأسئلة لمعرفة طريقة الحل بدون الخوض في خطواتها الحسابية ؟
– هل قمت بحضور محاضرات المراجعة -إن وُجِدَت- والسؤال عن الأمور المُبهمة عندك ؟
– هل قمت بالحصول على فترة كافية من النوم قبل الذهاب إلى الامتحان ؟ (مهم جدًا جدًا جدًا)


في اليوم الذي يسبق الامتحان لا تجهد نفسك كثيرًا إذا كنت قد أجبت عن الأسئلة السابقة بـ”نعم” فما عليك إلا أن تجري مراجعة سريعة على المنهج لتتأكد من أنك لم تغفل شيئًا وأنك قمت بما يجب.

قد يصيبنا بعض التوتر جراء رهبة الامتحان، لا بأس فهذا أمر شائع. حاول التفكير في الامتحان من منظور آخر، ابعد عن رأسك تلك الأفكار السوداوية عن الأسئلة الفلكية التي يمكن أن يضعها الدكتور والفخاخ التي سيستمتع بنصبها للطلبة، فكر في الامتحان أنه تحدٍ لقدراتك ومدى تمكنك من المادة.

فكر في المادة أنها ليست مجرد مقرر يجب عليك الحصول على علامات عاليه فيه، بل أنت تدرس المادة عن اقتناع أنك ستستفيد منها، بل وتبحث لتطبيقات ستفيدك فيما بعد لما تعلمته في المادة. لذا فعلاقتك بالمادة لا تنتهي بانتهاء الامتحان. بل ربما يظهر لك الامتحان أمور يجب عليك النظر إليها من زوايا مختلفة والتعمق في فهمها أكثر.

حاول مواجهة مخاوفك، لا تعلق حياتك كلها على ذلك الامتحان، بل ذلك طريق محتمل للنجاح وقد بذلت فيه ما عليك ويوجد طرق متعددة إن لم يحالفك الحظ. قد بذلت ما عليك -إن كنت فعلت حقا- وقد يكون الخير في مسار غير الذي كنت تأمله.

التوتر لا يفيد .. غالبًا من يضعون في حساباتهم أن ليس لديهم ما يخسرونه يملكون الجرأة اللازمة لحسم الاختبارات الصعبة

 condition_yp_exam

– مرحلة أثناء الامتحان | ما الذي ينبغي فعله ؟

في أغلب الامتحانات يكون هناك تدرّج في مستوى الأسئلة ما بين أسئلة شديدة السهولة إلى أسئلة شديدة الصعوبة. تُري … هل نبدأ بحل الأسئلة السهلة أم الأسئلة الصعبة ؟

أفضل وسيلة للتعامل مع الامتحان ليست بحل الأسئلة الصعبة أولاً ولا بحل الأسئلة السهلة أولاً، بل سنستفيد مما عرفناه من قبل عن الـFocus and Diffuse Modes في زيادة قدرتنا على حل الأسئلة الصعبة.

في البداية ستقرأ ورقة الأسئلة كلها سريعة لتحدد الأسئلة الصعبة من السهلة. قم بتعليم الأسئلة الصعبة ثم ابدأ بحل أول سؤال صعب. عند حلك لهذا السؤال فأنت تركز مجهودك من خلال الـ Focus Mode للوصول للإجابة. إن وصلت إليها فهذا جيد و إن اصطدمت بنقطة لا تستطيع تجاوزها فاترك السؤال.

تحتاج إلى الخروج من الـ Focus Mode قليلاً كي لا تتحرك في نفس الدائرة المغلقة التي عجزت فيها عن إجابة السؤال وتريح عقلك قليلاَ وتترك الـ Diffuse Mode ليعمل و يأتي لك بأفكار جديدة. لذا ستقوم بترك السؤال الصعب والانتقال إلى سؤال سهل لا يتطلب منك مجهود كبير لحله.

بعد الانتهاء من السؤال السهل انتقل إلى سؤال آخر صعب وابدأ في حله حتى تصل لنقطة لا تستطيع تجاوزها وانتقل إلى سؤال سهل … وهكذا. عندما ترجع إلى السؤال الصعب الذي تركته وتبدأ في استكمال الحل ستجد أفكارًا كانت غائبة عن ذهنك قد تشكلت أثناء الـDiffuse Mode تساعدك على الوصول إلى الحل.

ربما لهذا السبب تحديدًا تحدث معك تلك الحركة السخيفة؛ أنك تفطن إلى إجابة الأسئلة الصعبة بعد انتهاء الامتحان بفترة حين يبدأ عقلك بالراحة و ينتقل للـ Diffuse Mode

عند حل الأسئلة ذات الاختيار المتعدد MCQ ضع يدك على الاختيارات المتاحة وقم بمحاولة استنتاج الاجابة الصحيحة ثم ارفع يدك وانظر أي الاجابات مماثلة لما استنتجت.

Exam

بعد الانتهاء من حل الامتحان عليك فعل الآتي :

أولاً: تأكد أنك لم تنس أي سؤال وأنك قرأت جميع الأسئلة ومطاليبها جيدًا.

ثانيًا: قم بمراجعة حلولك من حيث المفهوم ودع لنصف دماغك الأيمن الفرصة كي ينقد تلك الحلول ويتأكد من مدى تطابقها “منطقيا” مع المفاهيم التي تعلمتها في المادة.

ثالثًا: أعد إجراء الحسابات، ربما تكون قد أخطأت في كتابة أرقام فتسببت في خطأ النواتج.

رابعًا: إن كان لديك وقت، حاول التفكير في اجابات الأسئلة الصعبة من منظور آخر واسأل نفسك … هل يمكن حل هذا السؤال بطريقة أخرى؟ هذا أفضل في التأكد من الحل.

خامسًا: في العادة نحن نحل الامتحانات بدءًا بالسؤال الأول انتهاءًا بآخر سؤال. اجعل مراجعتك على صحة الإجابات تبدأ من آخر سؤال وصولاً إلى أول سؤال، هذا قد يسهل عليك اكتشاف الأخطاء.


بهذا نكون قد أنهينا معكم سلسة “تعلم كيف تتعلم” نرجوا أن تكون قد أفادتكم.

coursaty